Dienstag, 18. November 2008

أخبار الحوادث وتفاحة آدم


لسنوات طويلة كانت صفحات الحوادث بالجرائد من أكثر الصفحات التي أحرص على قراءتها بشكل شبه منتظم. ولم تكن الحوادث بالنسبة لي مجرد أخبار تقرأ وتنسى، بل أنني كثيرًا ما قرأت الحوادث وحاولت تحليل محتواها نفسيًا او اجتماعيًا أو حتى سياسيًا. وكثيرًا ما كنت أستمتع بتصنيف الحوادث إلى موضوعات كحوادث العنف ضد المرأة وحوادث الخيانة الزوجية وحوادث القتل و النصب وخلافه. ساعدني على ذلك حرص الكثير من الجرائد على تقديم مائدة متنوعة من الحوادث بشكل يثير لدي في بعض الأحيان الشك في أن بعض الحوادث هي من بنات أفكار المحرر، بل كثيرًا ما اكتشفت أن حادثة ما يعاد نشرها بعد فترة طويلة بنفس التفاصيل أو أن حادثة لا تحتوي سوى على عنوان مثير والباقي مجرد موضوع تعبير بليغ.
أما ما أود هنا الإشارة إليه فهي بعض النقاط التي لفتت نظري موءخرًا وبالتحديد بعد نشر أخبار عن مجموعة الأزواج الذين أنشأوا موقعا لتبادل الزوجات. الموضوع أخذ اهتمامًا كبيرا من بعض الصحف خصوصًا صحف الإثارة و صحف الانترنت. وذكرني هذا الموضوع بموضوع آخر قلما خلت منه صفحات الحوادث بالجرائد المختلفة وهو القضايا التى تشترك فيها زوجة ما في قتل زوجها بالاشتراك مع "عشيقها" بلغة الحوادث.
ففي كلتا الحالتين يبرز دور الجنس إما كموضوع للجريمة أو كدافع لها، وفي كلتا الحالتين يبدو الأمر كاختراق أحد تابوهات (محرمات) المجتمع وليس فقط كاختراق لحقوق شخص المجني عليه (إن وجد). أما النقاط التي دفعتني للكتابة عنها فهي:
1. أن غالبية مرتكبي هذه الجرائم (أو بشكل أدق من تم اتهامهم رسميًا بهذه الجرائم) هم من طبقات متدنية نسبيًا وهذا ما دفعني إلى التساؤل عن مدى ضيق أفق هؤلاء المتهمين ليس لأنهم اقدموا على إتيان تلك الجرائم بل لأنهم توهموا أولاً أن الخلاص من مشكلاتهم الاجتماعية أو العاطفية أو الجنسية يمكن أن يتم بالقتل مثلا أو بالعنف أو بالتهديد ألخ ولم يروا أية حلول أخرى ممكنة في مجتمع بات كل شيء فيه متاحا بمساعدة محام ماهر أو منطق محكم. ولأنهم توهموا ثانيًا أن تخطيطهم الساذج محكم وسديد.
2. أن تناول الصحافة لتلك الموضوعات يتميز بكشف كامل عن أدق تفاصيل شخصيات المتهمين بالأسماء و العناوين و الوظائف و غيرها مما يدفعني إلى التساؤل عما لو كان المتهم من طبقة أعلى ثقافيًا أو اجتماعيا أو ماديًا، فهل كانت الصحافة ستستخدم كافة التفاصيل أم تكتفي بالحروف الأولى أو حتى تتجنب ذلك. لا أقصد بالطبع الشخصيات العامة التي يصعب الإشارة إليها رمزًا لشهرتها الطاغية.
3. يتميز تناول الصحافة لتلك الحوادث كذلك بالإثارة البالغة في تصوير خيوط الجريمة ونوازع الشخصيات وخلافه حتى يخيل إلي أحيانًا أننا بصدد أفلام بوليسية مثيرة تستمد إثارتها أحيانا من الجنس حتى تتحول في بعض الحوادث إلى مايشبه أدب البورنو الشعبي أو الايروتيك على الأقل. وهنا تكمن المشكلة في أن الهدف الرسمي لصفحات الحوادث وهو كما أفهمه التذكير بأن الجريمة لا تفيد يتحول إلى هدف آخر هو الإمتاع. و تتحول الجريمة ذاتها إلى حدث شيق أو حتى مثير و يتحول الجناة أو المتهمون إلى أبطال أشرار لفيلم مثير. وقد لا تقلل الجملة الختامية للخبر من أن المتهمين قد حصلو على حكم كذا أو كذا من إثارة القصة. إذن فالخبر الذي يقدم الحادثة قد يسهم بشكل ما في تسويق الجريمة على أنها شر مثير. فمشاهدة فيلم عن الأشرار لا يعني أنك شرير مثل أبطاله ولكن ذلك لا يعني أنك لم تستمتع بالفيلم.
4. أما النقطة الأخيرة فهي تساؤل هام وهو أن المرأة المتهمة التي قتل رجل من أجلها رجلاً آخر أو التي خانت زوجها مع أخيه أو صديقه أو رئيسه إلخ هذه المرأة كما تصورها الجرائد امرأة فاتنة مثيرة أما كما تظهرها الصور التي تنشرها الجرائد ذاتها فهي غالبا امرأة يبدو عليها الشقاء وقسوة الحياة وخشونتها (ولا أقصد الهم و الغم الناجم عن التقاط الصور بعد إلقاء القبض عليهن أو بعد الاستجوابات العنيفة). فذلك ما يدفعني للتساؤل لما يقتل رجل غريمه من أجل أمرأة بالفعل يمكن أن توصف بالقبح. أو لما يسعى رجل متزوج لممارسة الجنس مع أمرأة قبيحة تاركأ زوجته الأجمل أو مبادلا إياها كما في الحادثة الأخيرة.
الجواب قد يستلزم دراسة اجتماعية ونفسية وجنائية لا أعلم إن كانت تمت أو سوف تتم يوما ما. لكني أستطيع الإدعاء أن هذا المرض مزمن في بني آدم و قد يكون موروثا من آدم نفسه. فمن بين كل شجر الجنة لم يشتهي آدم سوى الشجرة التي حرم الله عليه. رما كان تفاحها أسوأ طعما من بقية تفاح الجنة و لكن الكتب المقدسة لا تخبرنا بذلك. فقط نعلم النتيجة. أن من يفعل أمرا حرمه الله يعاقب. لكن هذا لم يشفي الإنسان من مرضه وهو الرغبة في ما لا يملك خصوصا إن كان مالا يملك ليس مباحًا له.
العهد القديم يحكي كذلك عن النبي (الملك) داوود و كيف أنه اشتهى زوجة (أو جارية) أحد جنوده فما كان منه سوى أنه ضاجعها ثم بعث بزوجها إلى مقدمة الجيش ليموت ومن ثم تزوجها و أنجب منها ابنا مات عقابا له على ذلك ثم أنجب منها لاحقا النبي سليمان. ورغم إنكار التراث الإسلامي لتلك الرواية إلا أن ما يعنيني هنا هو أنها تثبت أن هذا المرض أذلي في الإنسان سواء صدقت القصة و انتسب المرض إلى النبي داوود أو كذبت القصة وانتسب المرض إلى خيال من كتبها.
هل كانت روميو وجوليت محاولة للتسامي بالرغبة في الممنوع؟
هل كان فيلم Rayan's Daughter محاولة شبيهة؟
قد يتطلب الأمر المزيد من تحري الأمثلة في التاريخ والأدب والفن وعلم النفس وقد أحاول تتبع مثل تلك الأمثلة لاحقًا.
أما ما يعنيني هنا فهو أن الرغبة في الممنوع ليست كما بدأت كلامي هنا محصورة في الجنس ولكنها قد تتعداها إلى كل رغبات الإنسان في مالا يملك وفي ما لا ينبغي له أن يملك. هل هذه الرغبة مرض مزمن في الإنسان؟


Keine Kommentare: